تحسين وتطوير الهيئات الحكومية

إن معادلة النجاح المتميّز للمؤسسات الحكومية تقوم على أربعة عناصر رئيسية؛ وهي التخطيط الذي يشكل (30%) من معدل نسبة نجاح الهيئات الحكومية في العالم، بالإضافة إلى أركان العمل المتمثلة في (القيادة والموظفين ووضوح الغاية والأنظمة والتعليمات والتشريعات) التي تؤطر عمل المؤسسة، بالإضافة إلى المعيار الثالث وهو أركان التنافس الذي يعتمد عليه في تحسين جودة الخدمة/ المنتج الذي ينعكس بشكل مباشر على رضا وولاء متلقي الخدمة، والمعيار الأخير هو البنية التحتية، وقد تم تصنيفها حسب معايير فرعية وفق أفضل الممارسات العالمية ليكون تقييماً موضوعياً وعلمياً، لأن التقييم الصحيح هو الأساس الصلب الذي ترتكز عليه المؤسسة الناجحة، للإنطلاق نحو الريادة والتميّز.

من أهم عملية انجاز أي مشروع، حسب ما هو مخطط، أن يكون هناك متابعة دائمة بشرط توفر خطة واضحة للمشروع، وبإطار زمني محدد، ومعززة بمؤشرات أداء تمكّن المعنيين من الوقوف عند أي انحراف واتخاذ إجراء تصحيحي، ولتحقيق ذلك لا بد من تحديد موظفين يقومون بهذه المهمة ويقومون بكتابة تقارير دورية للإدارة العليا عن سير الخطط وانحرافاتها إن وجدت .

إن سر نجاح أي من المؤسسات العامة، يعتمد بشكل أساسي على خبرات ومهارات كوادرها ومدى فهمهم لآلية عمل مؤسساتهم، وهذا لا يأتي إلا من خلال إشراك الكوادر على اختلاف مجالات عملهم في العديد من الدورات التأهيلية التأسيسية والمتوسطة والمتقدمة، وحسب خطة  تضمن سير عمل المؤسسة؛ بالتوازي مع تأهيل الكوادر البشرية.

تشير البحوث والدراسات المتعلقة بالمؤسسات ذات الأداء العالي أن التحسين المستمر في رضا متلقي الخدمة، إنما يتحقق بشكل أفضل عن طريق تحديد أهداف التحسين المستمر في إطار عملية التخطيط الإستراتيجي، ثم التأكد من أن الخطط السنوية لتحسين الخدمة تستند إلى أولويات متلقي الخدمة.

وتؤكد الدراسات الإدارية أن أهم ما يحتاجه المواطن لتلمّس خدمة متميزة، هما أمرين:

  • أولا: الوصول الأكثر سهولة وسلاسة إلى الخدمات الحكومية. ويتحقق ذلك من خلال برنامج الحكومة الالكترونية الشاملة .
  • ثانيا: الحصول على مستويات أعلى من الجودة والأداء عند تقديم الخدمات الحكومية، من خلال وضع معايير جودة قابلة للقياس الكمي المستمر فيما يتعلق برضا المواطن حول جودة الخدمات الحكومية المقدمة.

المقياس الحقيقي لتطوير الخدمات الحكومية، هو إحساس المواطنين بقيمة الخدمة وتلمس جودتها وأثارها، خاصة في المجالات الاجتماعية والتعليمية والصحية، والبلدية، وهي الخدمات التي يحتاجها قطاع واسع من المجتمع الأردني، بشكل يومي أو شبه يومي، ومن السهل توصيف وقياس جودة الخدمة المقدمة، إذا نظرنا إلى ثلاثة أبعاد؛

  • خدمة سريعة (وقت انتظار معقول لنيل الخدمة)
  • خدمات صحيحة ومكتملة (لا تقوم على التجزئة)
  • خدمات مبسّطة (لا تحتاج لروتين تقليدي أو لإجراءات معقّدة، أو مراجعة مواقع متعددة ومتباعدة) .

تطوير مرحلي

يتجلى الابداع في تقديم الخدمة الحكومية في أمرين:

  • الاستمرار في تبسيط الخدمات وتحويل الكثير منها لالكترونية (الحكومة الالكترونية) .
  • المرونة في تقديم الخدمة (فتح مراكز خدمة في المولات يمتد عملها مساءً لتجنيب الموظفين مغادرة دوامهم) .

ومن اليقين أن كل جهة حكومية، تقدم خدمة لها خصوصية، لا ينفع معها أن يصف لها الخبراء حلول موحدة، تتشابه مع سائر الجهات، مع اتفاقنا على وجود العديد من أوجه الشبه خاصة في بداية العلاج، كحال الكثير من المرضى، الذين يصح عند استقبالهم اعطائهم دواء مسكن للألم، ريثما يكتمل التشخيص، وبالتالي يتمكن الطبيب من معرفة المرض ووضع خطة العلاج الخاصة به.

لذلك يتمحور العلاج المرحلي على ثلاثة صعد:

  1. تقديم علاج مسكّن للالم ، من خلال تقديم حلول محددة وسريعة تعكس خبرة ومعرفة مؤسسة روى لطبيعة المؤسسات الحكومية والمشاكل المزمنة المشتركة (تدريب وتأهيل وتمكين لكادر مقدمي الخدمة المباشرين).
  2. البحث عن حلول:
    • دراسة استقصائية تحليلية (باستخدام SWOT Analysis و تقنية RADAR للتقييم) لتحديد مشكلة كل قطاع خدمي ، ولقياس الوضع قبل التحسين
    • السعي والبحث لتحديد أنسب خطط العمل لعلاج المشاكل القطاعية والخدمية
  3. تنفيذ وتطبيق الحلول:
    • شرح الخطط والاتفاق على التنفيذ مع الجهات المعنية ، مع إيجاد الموارد اللازمة (بشرياً ومادياً وتشريعياً)
    • الاشراف على التنفيذ والتعامل بمرونة وحزم مع معيقات التنفيذ
    • قياس التحسن بشكل دوري

تطوير مستقبلي

المطلوب وفق هذا البرنامج المتصوّر هو التركيز على تفعيل برنامج حكومي شامل لتطوير أداء القطاع العام بالتعاون مع أهل الخبرة والاختصاص في مركز روى الدولي، لتحسين الخدمات في أجهزة القطاع العام، ويتم تنفيذ البرنامج بالتدرّج، وخلال مدة تتراوح بين (3-5) سنوات على الأقل، بحيث تطبّق في المرحلة الأولى (لمدة عامين) مجموعة أفكار خلاّقة متعلقة بتحسين الجودة والخدمة، وفق أفضل الممارسات المتبعة عالميا، وتطبق بشكل جزئي على عدد محدود من الأجهزة الحكومية الفعّالة، لتصبح هذه الأجهزة، لاحقا (دوائر ريادة نموذجية).

وفي المرحلة الثانية (خلال ثلاثة أعوام) يتم توسيع التطبيق تدريجيا ليشمل جميع الأجهزة الحكومية.

ويشتمل البرنامج المقترح على ما يلي:

  • اعتماد نهج التخطيط والتحسين المستمر وتنفيذ خطة شاملة لتحسين الخدمات ورضا العملاء والمواطنين.
  • وضع مقايس أساسية وواضحة وموثوقة لقياس رضا المواطن عن الخدمات الأساسية المقدمة من قبل جميع الأجهزة الحكومية.
  • إعداد وتنفيذ خطط تحسين الخدمات السنوية على أساس أولويات العملاء والمواطنين لتحسين الخدمات الحكومية.
  • تحديد معدل أدنى من مستوى تحسين رضا العملاء والمواطنين خلال عدد محدد من السنوات كخمس سنوات مثلا.
  • اعتماد ونشر معايير الخدمات الأساسية لكل خدمة بهدف تشجيع مشاركة الموطنين وزيادة وعيهم بمجهود الحكومة واهتمامها بحاجتهم وتحسين الخدمة المقدمة لهم.
  • مساءلة المسؤولين وادراج النتائج المتعلقة بتحسين الخدمات ضمن نظام تقييم عمل المديرين والمسؤولين والوزارات، كجزء من نظام إدارة وتقييم الأداء الحكومي ككل.

الأليات والمنهجيات التي سيتم استخدامها والاعتماد عليها:

بطاقات الاداء المتوازن(Balanced Scorecards, BSC)

تقوم العديد من المؤسسات بالتركيز على جانب واحد في ادارتها الاستراتيجية على حساب الجانب الأخر، فيعمد بعضها إلى التركيز على الجانب التنفيذي دون التفكير كثيرا بدقة وفعالية إعداد الخطة، فيما تستنفذ أخرى جهدها على انشطة منهجية طويلة وشاقة للتخطيط وتفصيل الخطة ولا تلقي بالاً لقابلية الخطة للتنفيذ من حيث الموارد المتاحة بشرياً ومادياً وزمنياً.

تركز بطاقات الاداء المتوازن على تكاملية اعداد خطة شاملة ومتابعة تنفيذها بشكل فعال، وتعٌرف كاداة استراتيجية لتحقيق رؤية المؤسسة من خلال وضع أهداف استراتيجية مترابطة موزعة على أربع محاور (الخريطة الاستراتيجية)، ومتابعة تنفيذها بمخرجات محددة ومؤشرات أداء رئيسة مالية وغير مالية.

وتقاس المستهدفات فيها بشكل دوري (غالباً شهري) لتستدرك الاخفاقات قبل تراكمها من خلال خطط تصحيحية، ويدعم تنفيذ الاهداف مبادرات/مشاريع (initiatives)، وتعمل في إطار واضح للصلاحيات والمسؤوليات.

وتعمل بطاقات الاداء المتوازن على تحديد المخرجات المطلوبة حسب الاهداف الاستراتجية الوطنية المترابطة، وفي وضع مؤشرات أداء رئيسية.

سوف تستثمر مؤسسة روى جهودها وخبرتها في العمل مع المؤسسات الحكومية من خلال تركيزها على التدريب والاستشارات والاشراف على التطبيق، حيث تقدم دورات لتدريب المؤسسات على طريقة اعداد الرؤية الاستراتيجية باستخدام نموذج (SWOTAnalysis) لتحديد مواضع القوة والضعف في داخل المؤسسة والفرص والتهديدات في البيئة الخارجية للعمل، والوصول لتوصيف الرؤية كمياً.

فضلاً عن أهمية ذلك في تحديد متطلبات عملية تطوير الاستراتيجية وللتمكن من قياس التقدم نحو تحقيق الرؤية كمياً، ومن ثم التدرب على وضع أهداف ذكية (SMART) للمؤسسات وتحديد مقاييس ومؤشرات رئيسة(KPI’s) والقيم المستهدفة، وما تتطلبه من مبادرات لتحقيقها.

كما يتم توضيح عملية الربط بين الخريطة الاستراتيجية للمؤسسة(Strategy Maps) وتلك الخاصة بكل ادارة، وصولا للربط مع أهداف الموظفين، لتاسيس علاقة واضحة ومحددة لنجاح المؤسسة من خلال تحقق ونجاح وتكامل أهداف موظفيها وإداراتها.

إنشاء عملية مؤسسية للابداع الحكومي

سيتم توجيه الابداع لدى الافراد ومأسسته ليكون في مسار تقديم خدمات متطورة ، عن طريق إنشاء إدارات مسؤولة عن رعاية الابداع وتقديم التدريبات المعينة عليه، ووضع التشريعات والحوافز المناسبة. ويتم ربط إدارات الابداع مع جهة مركزية لتجنيبها العمل كجزر معزولة، ولتشجيعها على الاستمرار وتبادل التجارب.

وسيتم الاعتماد على وضع الخطط لتلبية متطلبات جائزة الإبداع الحكومي والمتابعة الاشرافية للتطبيق والتصويب (جزء مستحدث ومضاف إلى جائزة الملك عبد الله الثاني لتميّز الأداء الحكومي والشفافية)، وهي أساس ممتاز للبناء عليه، حيث تركز جائزة الإبداع الحكومي على المجالات التالية:

  • تحديد رؤية وأهداف واضحة للإبداع على المستوى الإستراتيجي داخل وزارات ومؤسسات القطاع العام.
  • تطوير رؤية واستراتيجيات للإبداع ضمن خطط الوزارة/ المؤسسة وتطبيقها.
  • تعزيز دور القيادة في تقديم القدوة الحسنة وبناء ثقافة مؤسسية داعمة للإبداع.
  • تخطيط وتنمية وتحفيز وتمكين الموارد البشرية للمشاركة في عمليات الإبداع، وتوفير البيئة الملائمة لذلك.
  • تبني مفهوم الإبداع بما يضمن تكاملية الموارد والقدرات مع الشركاء.
  • إدارة الموارد التكنولوجية والمعرفية وتوفير التمويل اللازم لدعم الإبداع والابتكار.
  • تصميم وإدارة عمليات إدارة الإبداع وإيجاد وتطبيق أنظمة وإجراءات فعالة (تشمل مراحل إيجاد الأفكار الإبداعية، دراستها وتحليل جدواها ومدى ملاءمتها، توفير البيئة والموارد الملائمة لاختبارها، التطبيق الفعلي، وقياس أثر ذلك على مستوى الخدمات المقدمة).
  • الإستثمار في الإبداع لتحقيق نمو طويل الأمد استجابة للظروف الاقتصادية المتغيرة.
  • قياس أثر تطبيق المشاريع الإبداعية على نتائج وأداء الوزارة/ المؤسسة.

مسارات سريعة لتقديم الشكاوى والاقتراحات

حتى تكتمل حلقة التطوير والابداع، فلا بد من مدخل للشكاوى والاقتراحات من المراجعين والموظفين على السواء، ويكون التعامل معها مدروس وسريع، ولا يقتصر التعامل مع الشكاوى والاقتراحات المكتوبة، بل يمتد ليشمل الوارد بالاتصال الشفوي ، وبالهاتف أو عبر وسائل التواصل الالكترونية، فالمهم هو استقبال والاستماع لاراء متلقي الخدمة وبالتالي التمكن من تحسين الخدمات.

من اهم الأمور التي سيتم التركيز عليها من خلال برامج التوعية والتدريب هو تغيير عقليةونظرة العاملين السلبية لملاحظات متلقي الخدمة، لانها المدخل الرئيسي لافكار تحسين وتطوير الخدمة كما يريدها متلقيها(وهو المستهدف الحقيقي من كل العملية الخدمية).

الشفافية والحوكمة

يتم دعم المسارات السريعة لتقديم الشكاوى والاقتراحاتم ن خلال توعية الادارات بضرورة الالتزام بمبدأي الشفافية والحوكمة، لنيل ثقة كلا المراجعين والموظفين، حيث أن غيابهما يجعل الشكوى من غير جدوى، والاقتراحات مجرد تجميل لأداء مترهل وباهت.

لا يمكن تصور وجود الشفافية والحوكمة من دون التتبع الدوري لمدى الالتزام بهما من خلال عملية تدقيق مستقلة، فعالة وذات مرجعية، وتقدم نتائج التدقيق لجهة أعلى تمتلك صلاحية اتخاذ وتنفيذ القرارات الاصلاحية، مهما كانت صعبة أو مؤلمة.